القرار يتّخذ اليوم: هل يبدأ ترامب الحرب ضد إيران
القرار يتّخذ اليوم : يحل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية خلال عام أو يزيد من الآن. وقد تصبح إيران عاملا رئيسيا في فوز أو خسارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، في هذه الانتخابات.
تعتاد الإدارات الكذب على الشعب، وتزداد حدة تلك الظاهرة خاصة قبيل الانتخابات. ورأينا كيف راقبت النخب السياسية الروسية بهدوء وتساهل، محاولات مرشحة انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، تضخيم فقاعة “رشا غيت”
(فضيحة التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية) في بدايتها، لتصبح ورقة لعب رابحة في المنافسة مع غريمها، دونالد ترامب، في تلك الانتخابات. ولكن مع الوقت
ومع تصاعد الهيستيريا واتخاذ خطوات عملية في الحملات المضادة لروسيا، تحولت الابتسامات الهادئة والمتساهلة إلى دهشة، لتصل تلك الخطوات في نهاية المطاف إلى سباق تسلح نووي، بل وكادت تؤدي أحيانا إلى صدام مباشر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
إن الاستنتاج الرئيسي من “رشا غيت” هو أنه ليس لدى النخب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية أي محظورات فيما يمكن التضحية به بسهولة خارج حدود الولايات المتحدة من أجل الفوز بالسلطة في واشنطن.
ومن أجل ذلك فكل الوسائل مباحة، بما في ذلك تدمير دول بأكملها والحرب النووية، لتحقيق هدف الوصول إلى السلطة. الحرب ضد العراق عام 2003، وقبلها الحرب ضد يوغوسلافيا،
“رشا غيت” والآن لا يمكننا النظر إلى الأزمة الإيرانية بمعزل عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يوجد في الوقت الراهن، بالنسبة لدونالد ترامب، قضية أهم من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فكيف يمكن أن تنعكس الحرب المحتملة ضد إيران على تلك الانتخابات؟
في ظل الركود الاقتصادي المتصاعد في العالم، تمثّل الولايات المتحدة الأمريكية الجزيرة الوحيدة التي لا زالت تحافظ على نمو اقتصادي (ولو أنه باتجاه التراجع)، من بين دول “الغرب المتعولم”. ومع ذلك فالوضع هش، وتشير كافة المؤشرات إلى أن الركود سيشمل الولايات المتحدة أيضا في العام المقبل،
وعلاوة على ذلك فإن مؤشرات أكثر أصبحت تشير إلى أن ذلك لن يكون مجرد انخفاض طفيف، وإنما انهيار يشبه أزمة عام 2008 الاقتصادية، وحينها ستهوي مؤشرات الاقتصاد، ومعها فرص دونالد ترامب للفوز بانتخابات رئاسية إلى ما دون الصفر.
وانطلاقا من هذا، فإن أي صدمات كبيرة مثل إغلاق مضيق هرمز أو تدمير البنى التحتية للمنشآت النفطية السعودية، قادرة على تسريع تباطؤ الاقتصاد العالمي، وهو أمر غير مقبول لدونالد ترامب،
حيث أن احتمال الحرب مع إيران يعني ضمنيا إغلاق المضيق وتدمير المنشآت. ونحن نرى أن منظومات الدفاع الصاروخي الأمريكية التي اشترتها السعودية غير قادرة على حماية منشآتها النفطية.
وعليه فإنني أجازف بالقول بأنه حتى يبقى الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية إيجابيا ولا يعرقل إعادة انتخاب ترامب، سوف يحاول الرئيس الأمريكي، قدر الإمكان، الحفاظ على عدم تورط البلاد في أي عمليات عسكرية ضد إيران.
ونحن نرى أن جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية لم يعد يشغل الأولوية ذاتها بالنسبة لترامب في الآونة الأخيرة، حتى أن الحرب التجارية مع الصين لم تعد بنفس الشراسة التي يواجه بها دونالد ترامب البنك المركزي الأمريكي والاحتياطي الفدرالي، الذي يملك الآن مفتاح المكتب البيضاوي في البيت الأبيض لعام 2020.
إن الاقتصاد العالمي يتحرك نحو أزمة أخرى، وبالنظر إلى الإرث المتراكم من القضايا العالقة، فإن هذه الأزمة مرشّحة لأن تفوق أزمة عام 2008.
لذلك فإن البنوك المركزية حول العالم تخفّض بشكل جماعي سعر الفائدة على القروض، محاولة منها في تحفيز نمو الاقتصاد دون طائل. فها هو البنك المركزي الأوروبي لم يكتف بخفض سعر الفائدة على القروض الأسبوع الماضي، وإنما أطلق سياسة “التسهيلات الكمّية” QE،
التي سيقوم بموجبها البنك بطبع نقود غير مغطاة بالبضائع في محاولة لتأخير الأزمة.
اليوم، الأربعاء 18 سبتمبر، يوافق موعد اجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستحذو حذو الأوروبيين أم لا.
أو بمعنى أصح، هل تفعل ذلك الآن أم لاحقا، بما أن الأمر حتمي على أي حال. يسعى دونالد ترامب بكل قوة إلى أن يحدث ذلك قبل الانتخابات، ويستحسن أن يحدث الآن فورا.
في أغسطس دعا مدير بنك نيويورك للاحتياطي الفدرالي، ويليام دادلي، مجلس الاحتياطي الفدرالي لرفض سياسة “التسهيلات الكمّية” QE، وخفض سعر الفائدة على القروض، وأي إجراءات أخرى لتحفيز الاقتصاد،
بغرض منع إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا. وحينها أعلن الاحتياطي الفدرالي عن رفضه الانصياع لأي دوافع سياسية، ولكن السؤال الآن يبقى مطروحا: هل تتوافق اليوم الأفعال مع الأقوال؟
وهنا نصل إلى إمكانية انقلاب الوضع بزاوية 180 درجة. فلو لم يتخذ الاحتياطي الفدرالي قرارا حتى نهاية العام الحالي (ويعني ذلك اليوم)، باستئناف تحفيز واسع النطاق للاقتصاد الأمريكي، فسوف نرى غالبا انهيارا في البورصات، وانخفاضا للناتج الإجمالي المحلي الأمريكي في المستقبل القريب.
وفي هذه الحالة سيفقد دونالد ترامب ورقة اللعب الرئيسية، التي دائما ما كانت تعزز موقفه في مواجهة هجمات مؤسسات الدولة، وهي النمو الاقتصادي الأمريكي في عهده. وسيصبح طريقه الوحيد للبقاء في السلطة هو أن يصبح “رئيس الحرب”.
وهنا ستتحول الحرب ضد إيران من تهديد محتمل لترامب، إلى الفرصة العملية الوحيدة لإعادة انتخابه لمدة رئاسة ثانية. وكلما اتسع نطاق وخطورة الحرب كلما كان ذلك أفضل، لإمكانية التذرع بها في كافة المصاعب الاقتصادية، بل ولإمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية بالأساس.
ليست إيران بقدرة روسيا أو الصين، وسوف تنتصر عليها الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية المطاف، مهما كانت التكلفة الاقتصادية الهائلة للعالم. بل وقد تمكنت الولايات المتحدة الآن من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة،
وسوف يؤدي خروج النفطين السعودي والإيراني من السوق العالمية إلى الإضرار بمصالح المنافسين، أوروبا والصين. بمعنى أن الحرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية سوف تكون بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد.
وبهذا أعتقد أن اليوم هو أحد أهم أيام السنة، فدعونا نرى أي قرار سيتخذه الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، القرار الذي سيحدد تداعيات الأمور في العالم مستقبلا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف